كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} لا يريد به حالًا ولا استقبالًا وإنما يريد به استمرار الصد منهم كقولهم: فلان يعطي ويمنع، ولذلك حسن عطفه على الماضي. وقيل هو حال من فاعل {كَفَرُواْ} وخبر {إِن} محذوف دل عليه آخر الآية أي معذبون. {والمسجد الحرام} عطف على اسم الله وأَوَّلَهُ الحنفية بمكة واستشهدوا بقوله: {الذى جعلناه لِلنَّاسِ سَواء العاكف فِيهِ والباد} أي المقيم والطارىء على عدم جواز بيع دورها وإجارتها، وهو مع ضعفه معارض بقوله تعالى: {الذين أُخْرِجُواْ مِن ديارهم} وشراء عمر رضي الله تعالى عنه دار السجن فيها من غير نكير، و{سَواء} خبر مقدم والجملة مفعول ثان لـ: {جعلناه} إن جعل {لِلنَّاسِ} حالًا من الهاء وإلا فحال من المستكن فيه، ونصبه حفص على أنه المفعول أو الحال و{العاكف} مرتفع به، وقرئ {العاكف} بالجر على أنه بدل من الناس. {وَمَن يُرِدْ فِيهِ} مما ترك مفعوله ليتناول كل متناول، وقرئ بالفتح من الورود. {بِإِلْحَادٍ} عدول عن القصد {بِظُلْمٍ} بغير حق وهما حالان مترادفان، أو الثاني بدل من الأول بإعادة الجار أو صلة له: أي ملحدًا بسبب الظلم كالإِشراك واقتراف الآثام {نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} جواب لـ: {مِنْ}.
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت} أي واذكر إذ عيناه وجعلناه له مباءة. وقيل اللام زائدة ومكان ظرف أي وإذ إنزلناه فيه. قيل رفع البيت إلى السماء وانطمس أيام الطوفان فأعلمه الله مكانه بريح أرسلها فكنست ما حوله فبناه على أسه القديم. {أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئًا وَطَهّرْ بَيْتِىَ للطائفين والقائمين والركع السجود} {أَن} مفسرة لـ: {بَوَّأْنَا} من حيث إنه تضمن معنى تعبدنا لأن التبوئة من أجل العبادة، أو مصدرية موصولة بالنهي أي: فعلنا ذلك لئلا تشرك بعبادتي وطهر بيتي من الأوثان والأقذار لمن يطوف به ويصلي فيه، ولعله عبر عن الصلاة بأركانها للدلالة على أن كل واحد منها مستقل باقتضاء ذلك كيف وقد اجتمعت، وقرئ {يُشْرَكَ} بالياء وقرأ نافع وحفص وهشام {بَيْتِىَ} بفتح الياء.
«وَأَذِّن في الناس» ناد فيهم وقرئ {وَآذّن}. {بالحج} بدعوة الحج والأمر به. روي أنه عليه الصلاة والسلام صعد أبا قبيس فقال «يا أيها الناس حجوا بيت ربكم، فأسمعه الله من أصلاب الرجال وأرحام النساء فيما بين المشرق والمغرب من سبق في علمه أن يحج». وقيل الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في حجة الوداع. {يَأْتُوكَ رِجَالًا} مشاة جمع راجل كقائم وقيام، وقرئ بضم الراء مخفف الجيم ومثقله ورجالى كعجالى. {وعلى كُلّ ضَامِرٍ} أي وركبانًا على كل بعير مهزول أتعبه بعد السفر فهزله. {يَأْتِينَ} صفة لـ: {ضَامِرٍ} محمولة على معناه، وقرئ {يأتون} صفة للرجال والركبان أو استئناف فيكون الضمير لـ: {الناس}. {مِن كُلّ فَجٍّ} طريق. {عَميِقٍ} بعيد، وقرئ {معيق} يقال بئر بعيدة العمق والمعق بمعنى.
{لّيَشْهَدُواْ} ليحضروا. {منافع لَهُمْ} دينية ودنيوية، وتنكيرها لأن المراد بها نوع من المنافع مخصوص بهذه العبادة. {وَيَذْكُرُواْ اسم الله} عند إعداد الهدايا والضحايا وذبحها. وقيل كنى بالذكر عن النحر لأن ذبح المسلمين لا ينفك عنه تنبيهًا على أنه المقصود مما يتقرب به إلى الله تعالى. {في أَيَّامٍ معلومات} هي عشر ذي الحجة، وقيل أيام النحر. {على مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنعام} علق الفعل بالمرزوق وبينه بالبهيمة تحريضًا على التقرب وتنبيهًا على مقتضى الذكر. {فَكُلُواْ مِنْهَا} من لحومها أمر بذلك إباحة وإزالة لما عليه أهل الجاهلية من التحرج فيه، أو ندبًا إلى مواساة الفقراء ومساواتهم، وهذا في المتطوع به دون الواجب. {وَأَطْعِمُواْ البائس} الذي أصابه بؤس أي شدة. {الفقير} المحتاج، والأمر فيه للوجوب وقد قيل به في الأول.
{ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ} ثم ليزيلوا وسخهم بقص الشارب والأظفار ونتف الإِبط والاستحداد عند الإِحلال. {وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ} ما ينذرون من البر في حجهم، وقيل مواجب الحج. وقرأ أبو بكر بفتح الواو وتشديد الفاء. {وَلْيَطَّوَّفُواْ} طواف الركن الذي به تمام التحلل فإنه قرينة قضاء التفث، وقيل طواف الوداع. وقرأ ابن عامر وحده بكسر اللام فيهما. {بالبيت العتيق} القديم لأنه أول بيت وضع للناس، أو المعتق من تسلط الجبابرة فكم من جبار رسا إليه ليهدمه فمنعه الله تعالى، وأما الحجاج فإنما قصد إخراج ابن الزبير منه دون التسلط عليه.
{ذلك} خبر محذوف أي الأمر ذلك وهو وأمثاله تطلق للفصل بين كلامين. {وَمَن يُعَظّمْ حرمات الله} أحكامه وسائر ما لا يحل هتكه، أو الحرم وما يتعلق بالحج من التكاليف. وقيل الكعبة والمسجد الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام والمحرم. {فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} فالتعظيم {خَيْرٌ لَّهُ}. {عِندَ رَبّهِ} ثوابًا. {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنعام إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ} إلا المتلو عليكم تحريمه، وهو ما حرم منها لعارض: كالميتة وما أهل به لغير الله فلا تخرجوا منها غير ما حرمه الله كالبحيرة والسائبة. {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان كما تجتنب الأنجاس، وهو غاية المبالغة في النهي عن تعظيمها والتنفير عن عبادتها. {واجتنبوا قَوْلَ الزور} تعميم بعد تخصيص فإن عبادة الأوثان رأس الزور، كأنه لما حث على تعظيم الحرمات أتبعه ذلك ردًا لما كانت الكفرة عليه من تحريم البحائر والسوائب وتعظيم الأوثان والإِفتراء على الله تعالى بأنه حكم بذلك. وقيل شهادة الزور لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال «عدلت شهادة الزور الإِشراك بالله تعالى ثلاثًا وتلا هذه الآية» و{الزور} من الزور وهو الإِنحراف كما أن الإِفك من الأفك وهو الصرف، فإن الكذب منحرف مصروف عن الواقع.
{حُنَفَاء للَّهِ} مخلصين له. {غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} وهما حالان من الواو. {وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السماء} لأنه سقط من أوج الإِيمان إلى حضيض الكفر. {فَتَخْطَفُهُ الطير} فإن الأهواء الرديئة توزع أفكاره، وقرأ نافع وحده {فَتَخْطَفُهُ} بفتح الخاء وتشديد الطاء. {أَوْ تَهْوِى بِهِ الريح في مَكَانٍ سَحِيقٍ} بعيد فإن الشيطان قد طوح به في الضلالة أو للتخيير كما قوله تعالى: {أَوْ كَصَيّبٍ مِّنَ السماء} أو للتنويع فإن المشركين من لا خلاص له أصلًا، ومنهم من يمكن خلاصه بالتوبة لَكِن على بعد، ويجوز أن يكون من التشبيهات المركبة فيكون المعنى: ومن يشرك بالله فقد هلكت نفسه هلاكًا يشبه أحد الهلاكين.
{ذلك وَمَن يُعَظّمْ شعائر الله} دين الله أو فرائض الحج ومواضع نسكه، أو الهدايا لأنها من معالم الحج وهو أوفق لظاهر ما بعده، وتعظيمها أن تختارها حسانًا سمانًا غالية الأثمان. روي أنه صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب، وأن عمر رضي الله تعالى عنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلثمائة دينار. {فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب} فإن تعظيمها منه من أفعال ذوي تقوى القلوب، فحذفت هذه المضافات والعائد إلى من وذكر القلوب لأنها منشأ التقوى والفجور أو الآمرة بهما.
{لَكُمْ فِيهَا منافع إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إلى البيت العتيق} أي لكم فيها منافع درها ونسلها وصوفها وظهرها إلى أن تنحر، ثم وقت نحرها منتهية إلى البيت أي ما يليه من الحرم، و{ثُمَّ} تحتمل التراخي في الوقت والتراخي في الرتبة، أي لكم فيها منافع دنيوية إلى وقت النحر وبعده منافع دينية أعظم منها، وهو على الأولين إما متصل بحديث {الأنعام} والضمير فيه لها أو المراد على الأول لكم فيها منافع دينية تنتفعون بها إلى أجل مسمى هو الموت، ثم محلها منتهية إلى البيت العتيق الذي ترفع إليه الأعمال أو يكون فيها ثوابها وهو البيت المعمور أو الجنة، وعلى الثاني {لَكُمْ فِيهَا منافع} التجارات في الأسواق إلى وقت المراجعة ثم وقت الخروج منها منتهية إلى الكعبة بالإِحلال بطواف الزيارة.
{وَلِكُلّ أُمَّةٍ} ولكل أهل دين. {جَعَلْنَا مَنسَكًا} متعبدًا أو قربانًا يتقربون به إلى الله، وقرأ حمزة والكسائي بالكسر أي موضع نسك. {لِّيَذْكُرُواْ اسم الله} دون غيره ويجعلوا نسيكتهم لوجهه، علل الجعل به تنبيهًا على أن المقصود من المناسك تذكر المعبود. {على مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنعام} عند ذبحها، وفيه تنبيه على أن القربان يجب أن يكون نعمًا. {فإلهكم إله واحد فَلَهُ أَسْلِمُواْ} أخلصوا التقرب أو الذكر ولا تشوبوه بالإِشراك. {وَبَشّرِ المخبتين} المتواضعين أو المخلصين فإن الإِخبات صفتهم.
{الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} هيبة منه لإِشراق أشعة جلاله عليها. {والصابرين على مَا أَصَابَهُمْ} من الكلف والمصائب. {وَالمُقيمي الصَّلاَةِ} في أوقاتها، وقرئ {والمقيمين للصلاة} على الأصل. {وَمِمَا رزقناهم يُنفِقُونَ} في وجوه الخير.
{والبدن} جمع بدنة كخشب وخشبة، وأصله الضم وقد قرئ به وإنما سميت بها الإِبل لعظم بدنها مأخوذة من بدن بدانة، ولا يلزم من مشاركة البقرة لها في أجزائها عن سبعة بقوله عليه الصلاة والسلام «البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة» تناول اسم البدنة لها شرعًا.
بل الحديث يمنع ذلك وانتصابه بفعل يفسره. {جعلناها لَكُمْ} ومن رفعه جعله مبتدأ. {مِن شَعَائِرِ الله} من أعلام دينه التي شرعها الله تعالى. {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} منافع دينية ودنيوية. {فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا} بأن تقولوا عند ذبحها الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك وإليك. {صَوَافَّ} قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن، وقرئ {صوافن} من صفن الفرس إذا قام على ثلاث. وعلى طرف حافر الرابعة لأن البدنة تعقل إحدى يديها فتقوم على ثلاث، وقرئ {صوافنا} بإبدال التنوين من حرف الإِطلاق عند الوقف و{صوافي} أي خوالص لوجه الله، و{صوافي} بسكون الياء على لغة من يسكن الياء مطلقًا كقولهم: أعط القوس باريها. {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} سقطت على الأرض وهو كناية عن الموت. {فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ القانع} الراضي بما عنده وبما يعطى من غير مسألة ويؤيده قراءة {القنع}، أو السائل من قنعت إليه قنوعًا إذا خضعت له في السؤال. {والمعتر} والمعترض بالسؤال، وقرئ {والمعترى} يقال عره وعراه واعتره واعتراه. {كذلك} مثل ما وصفنا من نحرها قيامًا. {سخرناها لَكُمْ} مع عظمها وقوتها حتى تأخذوها منقادة فتعقلوها وتحبسوها صافة قوائمها ثم تطعنون في لبانها. {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} إنعامنا عليكم بالتقرب والإِخلاص.
{لَن يَنَالَ الله} لن يصيب رضاه ولن يقع منه موقع القبول. {لُحُومُهَا} المتصدق بها. {وَلاَ دِمَاؤُهَا} المهراقة بالنحر من حيث إنها لحوم ودماء. {ولَكِن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ} ولَكِن يصيبه ما يصحبه من تقوى قلوبكم التي تدعوكم إلى تعظيم أمره تعالى والتقرب إليه والإِخلاص له، وقيل كان أهل الجاهلية إذا ذبحوا القرابين لطخوا الكعبة بدمائها قربة إلى الله تعالى فهم به المسلمون فنزلت. {كذلك سَخَّرَهَا لَكُمْ} كرره تذكيرًا للنعمة وتعليلًا له بقوله: {لِتُكَبِّرُواْ الله} أي لتعرفوا عظمته باقتداره على ما لا يقدر عليه غيره فتوحدوه بالكبرياء. وقيل هو التكبير عند الإِحلال أو الذبح. {على مَا هدَاكُمْ} أرشدكم إلى طريق تسخيرها وكيفية التقرب بها، و{مَا} تحتمل المصدرية والخبرية و{على} متعلقة بـ: {لِتُكَبِّرُواْ} لتضمنه معنى الشكر. {وَبَشِّرِ المحسنين} المخلصين فيما يأتونه ويذرونه. اهـ.
{هذان خَصْمَانِ} الإشارة إلى المؤمنين والكفار على العموم، ويدل على ذلك ما ذكر قبلها من اختلاف الناس في أديانهم، وهو قول ابن عباس، وقيل: نزلت في علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث حين برزوا يوم بدر لعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، فالآية على هذا مدنية إلى تمام ست آيات، والخصم يقع على الواحد والاثنين والجماعة، والمراد به هنا الجماعة، والإشارة بهذان الفريقين {اختصموا فِي رَبِّهِمْ} أي في دينه وفي صفاته، والضمير في اختصموا لجماعة الفريقين {فالذين كَفَرُواْ} الآية: حكم بين الفريقين، بإن جعل للكفار النار وللؤمنين الجنة المذكورة بعد هذا {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ} أي فصلت على قدر أجسادهم، وهو مستعارمن تفصيل الثياب {الحميم} الماء الحارّ.
{يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ} أي يذاب، وذلك أن الحميم إذا صب على رؤوسهم وصل حره إلى بطونهم، فأذاب ما فيها، وقيل: معنى يصهر ينضج.
{مَّقَامِعُ} جمع مقمعة أي مقرعة {مِنْ حَدِيدٍ} يضربون بها، وقيل: هي السياط.
{مِنْ غَمٍّ} بدل من المجرور قبله {وَذُوقُواْ} التقدير يقال لهم ذوقوا.
{مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} من لبيان الجنس أو للتبعيض وفسرنا الأساور في [الكهف: 31] {وَلُؤْلُؤًا} مفعول بفعل مضمر أي يعطون لؤلؤًا، أو معطوف على موضع {مِنْ أَسَاوِرَ} إذ هو مفعول، وبالخفض معطوف على أساور أو على ذهب.
{الطيب مِنَ القول} قيل: هو لا إله إلا الله، واللفظ أعم من ذلك {صِرَاطِ الحميد} أي صراط الله، فالحميد اسم الله، ويحتمل أن يريد الصراط الحميد، وأضاف الصفة إلى الموصوف كقولك: مسجد الجامع.
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ} خبره محذوف يدل عليه قوله: {نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، وقيل: الخبر {وَيَصُدُّونَ} على زيادة الواو، وهذا ضعيف، وإنما قال: {يَصُدُّونَ} بلفظ المضارع ليدل على الاستمرار على الفعل {سَواء} بالرفع مبتدأ وخبره مقدر، والجملة في موضع المفعول الثاني لجعلنا، وقرأ حفص بالنصب على أنه المفعول الثاني والعاكف فاعل به {العاكف فِيهِ والباد} العاكف المقيم في البلد: والبادي القادم عليه من غيره، والمعنى: الناس سواء في المسجد الحرام، لا يختص به أحد دون أحد وذلك إجماع، وقال أبو حنيفة: حكم سائر مكة في ذلك كالمسجد الحرام، فيجوز للقادم أن ينزل منها حيث شاء، وليس لأحد فيها ملك، والمراد عنده بالمسجد الحرام جميع مكة، وقال مالك وغيره: ليست الدور في ذلك كالمسجد، بل هي متملكة {بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} الإلحاد الميل عن الصواب، والظلم هنا عام في المعاصي من الكفر إلى الصغائر، لأن الذنوب في مكة أشدّ منها في غيرها، وقيل: هو استحلال الحرام، ومفعول {يُرِدْ} محذوف تقديره: من يرد أحدًا أو من يرد شيئًا، {بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ}: حالان مترادفان، وقيل: المفعول قوله بإلحاد على زيادة الباء.
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت} العامل في إذ مضمر تقديره اذكر وبوأنا أصله من باء بمعنى رجع، ثم ضوعف ليتعدى، واستعمل بمعنى أنزلنا في الموضع كقوله: {تُبَوِّىءُ المؤمنين} [آل عمران: 121]، إلا أن هذا المعنى يشكل هنا لقوله لإبراهيم لتعدّى الفعل باللام، وهو يتعدّى بنفسه حتى قيل: اللام زائدة،، وقيل: معناه هيأنا، وقيل: جعلنا، والبيت هنا الكعبة، وروى أنه كان آدم يعبد الله فيه، ثم درس بالطوفان، فدل الله إبراهيم عليه السلام على مكانه، وأمره ببنيانه {أَن لاَّ تُشْرِكْ} أن مفسرة، والخطاب لإبراهيم عليه السلام، وإنما فسرت تبوئه البيت بالنهي عن الإشراك، والأمر بالتطهير؛ لأن التبوئة إنما قصدت لأجل العبادة التي تقتضي ذلك {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} عام في التطهير من الكفر والمعاصي والأنجاس، وغير ذلك {والقائمين} يعني المصلين.
{وَأَذِّن فِي الناس بالحج} خطاب لإبراهيم، وقيل: لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والأول هو الصحيح، روى أنه لما أمر بالأذان بالحج. صعد على جبل أبي قبيس، ونادى: أيها الناس إن الله قد أمركم بحج هذا البيت فحجوا، فسمعه كل من يحج إلى يوم القيامة، وهم في أصلاب آبائهم. وأجابه في ذلك الوقت كل شيء من جماد وغيره. لبيك اللهم لبيك، فجرت التلبية على ذلك {يَأْتُوكَ رِجَالًا} جمع راجل أي ماشيئًّا على رجليه {وعلى كُلِّ ضَامِرٍ} الضامر يراد به كل ما يركب من فرس وناقة وغير ذلك، وإنما وصفه بالضمور لأنه لا يصل إلى البيت إلا بعد ضموره، وقوله: {وعلى كُلِّ ضَامِرٍ} حال معطوف على حال كأنه قال: رجالًا وركبانًا، واستدل بعضهم بتقديم الرجال في الآية على أن المشي إلى الحج أفضل من الركوب، واستدل بعضهم بسقوط ذكر البحر بهذه الآية، على أنه يسقط فرض الحج على من يحتاج إلى ركوب البحر {يَأْتِينَ} صفة لكل ضامر، لأنه في معنى الجمع {مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} أي طريق بعيد.
{مَنَافِعَ لَهُمْ} أي بالتجارة، وقيل: أعمال الحج وثوابه، واللفظ أعم من ذلك {وَيَذْكُرُواْ اسم الله} يعني التسمية عند ذبح البهائم ونحرها وفي الهدايا والضحايا، وقيل: يعني الذكر على الإطلاق، وإنما قال: {اسم الله}، لأن الذكر باللسان إنما يذكر لفظ الأسماء {في أَيَّامٍ مَّعْلُوماتٍ} هي عند مالك: يوم النحر وثانية وثالثة خاصة لأن هذه هي أيام الضحايا عنده، ولم يجز ذحبها بالليل لقوله: {في أَيَّامٍ} وقيل: الأيام المعلومات: عشر ذي الحجة ويوم النحر، والثلاثة بعده، وقيل: عشر ذي الحجة خاصة، وأما الأيام المعدودات، فهي الثلاثة بعد يوم النحر، فيوم النحر من المعلومات لا من المعدودات واليومان بعده من المعلومات والمعدودات ورابع النحر في المعدودات لا من المعلومات {فَكُلُواْ مِنْهَا} ندب أو إباحة ويستحب أن يأكل الأقل من الضحايا ويتصدق بالأكثر {البائس} الذي أصابه البؤس وقيل: هو المتكفف وقيلأ: الذي يظهر عليه أثر الجوع.